الموقع الالكتروني: https://www.maannews.net/news/2045730.html
من: وكالة معا الاخبارية
د. زياد بني شمسه أستاذ الأدب والنقد
تنطلق هذه القراءة لنصوص المهمشين للكاتب د. سعيد عياد من منطلقات نقدية منها أن النصوص البكر هي الكتابة الأولى، والقراءة النقدية الكتابة الثانية؛ فتكتمل مسيرة الكتابة على الكتابة في جدلية قائمة بين الكتابة الإبداعية والممارسة النقدية مشفوعة بقراءة سابرة تعلن مؤت المؤلف وحياة النصوص، لتجعل النص فضاء مفتوحا لا نهاية لمدلولاته ودوالّه كما هو في ميزان الناقد رولان بارت.
عنونت قراءتي هذه بثلاثة دوال نقدية: نصوص مُرواغِة مفتوحة، تثير جدلية النّصوص والهوامش، ونصوص قصصية درامية تُمَسْرِحُ الحياة، إلى أي حدّ تصدق هذه الأحكام النقدية على هذه المجموعة القصصية المهمشين؟
وإذا أردت عزيزي القارئء أن تتصادم موافقة أو مخالفة مع مقولاتنا وأحكامنا النقدية ( الكتابة الثانية) ؛ عليك قراءة الكتابة الأولى لنصوص المهمشين والبحث في جيولوجيا بنائها القصصي.
لِمَ علينا وصف هذه النصوص بالمُرواغة المفتوحة؟؟هل ترتبط المراوغة بأسلوبها ورمزيتها؟ أم تعود لجماليات تغريك بالحسن ولكنها تمارس عليك التمظهر بلذة النص والسرد وتسقيك كل ألوان العذابات شقيقة عذابات المهمشين في تلك المجموعة القصصية؟؟
مرواغة النصوص المفتوحة عندي في باب النقد تعني يُسْر المعنى والتمكن منه ظاهريا ومرواغة الدلالة، لتقف اللغة النصية في منطقة وسطى تقترب من الإفصاح ولا تفصح، منطقة محايدة ما بين الشمس والظل، والنور والخفاء، تجعلك أيها القارىء تستظل بجماليات السرد في قصة المهمشين ويبترد جسدك ولكن روحك معذبة بعذابات المهمشين، تجعلنا نحن القراء والنقاد نصطلح على المعنى ولكن تنفتح الدلالة ويكثر التأويل؛ فيذهب كل واحد منا للدلالة التي يريدها ونختلف في دلالاتها، فهل تريد نصوص المهمشين ” الثورة على الثورة”، أم الثورة على الساكتين عن الحق باعتبارهم شيطان أخرس ساكت عن الظلم أم مصفق للطغاة ، أم الثورة على الطغاة وسدة الحكام والإمام وحاشية السلطان والزعيم والتأليه لسلطته وحكمه وجبروته؟
هذا بالنسبة للدلالة ومرواغتها، أما عن مرواغة الجماليات النصية الفنية فحدّث ولا حرج؟؟ نصوص المهمشين تتزين بجماليات التعبير والتصوير والأنسة، تغريك النصوص بعطرها، تجعلك منقادا خلف ” البارفان الفرنسي” النفاذ، لغة جمالية تمارس عليك فعل الغانية تلهو بجماليات جسدها اللفظي وحسن السبك وقوة جاذبية العبارة والجملة والنص، ولكن سرعان ما ينقلب حالك أيها القارىء من مستمع بالجسد والعطر واللفظ إلى معذب روحيا لا تستطيع أن تمتلك روح الغانية الجميلة لأنها تبدأ تتمنع عنك وتحجب مفاتنها الروحية عنك، نعم إنها ممانعة المحبوبة وتدللها، ونجحت نصوص المهمشين بإغراء سبكها الجمالي واللفظي، ولكن الروح لا سلطة لنا عليها، أليست قصة ” فوضى الروح” في تلك المجموعة القصصية لمن قرأ نصوص المهمشين تجعلك تتلذذ بجماليات سردها ولكن لا تعرف إلى أي حد روح أبطال القصة معذبة؟ فالبطل أحمد في القصة فنان ورسام مبدع، أراد أن يبيع لوحاته ورسوماته لأنها خربشات ( رسومات الحجر والمقاومة والانتفاضة…) لا معنى لها الآن في ظل انكسار التفاوض والتصالح وخيبة الأمل. لكنه يرفض أن يبيع نفسه وروحه وذاكرته؛ لأنها ذاكرة الشعب المقاوم وتاريخ المقاومة والشهداء الذي لا يباع، وأنت أيها القارئء هل مارست عليك هذه النصوص المراوغة فعلها ومراوغتها؟ فمرة تفريك دلالتها لتوافق أحمد في القصة وتقل له بع كل شيء فقد باعوا قبلك ولم يتبق لنا شيء، ومرة تقول له تريث ولا تنظر للسياسي المتقهقر المتراجع، وعُد للوراء لدلالات الثورة والانتفاضة زادك الأول. أي مرواغة تمارسها نصوص المهمشين هنا تقول لك معنى وعليك أن تقرر الدلالة والرسالة؟ إما أن تكون مع من هانوا واستهانوا وتصالحوا مع أنفسهم ولكنهم حاربوا شعوبهم وقمعوهم، أم مع من يعود لماضيه زادا لحاضره وتثور وتتمرد ثورة المهمشين؟؟
نصوص المهمشين نصوص مراوغة مفتوحة، حين ما تقرأ وتتمعن وتمتعك جماليات التعبير والتشخيص والتجسيم، تتبدى لك مجاهيل دلالية كثيرة كأن لم تقرأها من قبل قراءة تلو الأخرى؟
نصوص مراوغة مفتوحة ورؤية منصهرة مع الألم وزيف المشاعر، مزينة بالوشم تلك الوشوم التي تدق على جباه وأيدي الفلاحات القرويات والعرائس، فهي عندما تَشِم جسدها بمادة الكربون وسخونة النار المختلط بالدم المنبعث من وخز الإبرة المصحوبة بالألم والعذابات ولكنها في نهاية المخاض والدموع والألم تترك وشما لا يمحي ولا يزول، ونصوص المهمشين وشم جميل كتب بدم وعرق البائسين والمهمشين في الحياة؛ تذكرنا بألم وجبروت الطغاة، وشم المهمشين نصوصية تعلق في الذاكرة ترسخ مأساتهم وتعمق صدى الصرخات المتألمة، وكما يقول النص” الفقراء لا يعافون كرامتهم ولو ماتوا”
الرسالة النصية للمهمشين صارخة تقول لكل مهمش على قارعة الحياة عليكم ألا تكتفوا بالدموع والبكاء، تدفع القارئ بالقول لو كنت مكانكم لأسقطت نعش الطغاة والزعماء والساسة عن سلطانهم وعروشهم.
نصوص مفتوحة تترك في نهايتها الحكم للقارئ للبحث عن الدلالة، تقدم النصوص رؤية استشرافية تعري وتكشف زيف( الزنادقة والزعيم والوزير والمختار والمسؤول )، تحمل نصوص المهمشين رسائل منها” لا تكن عقلا امتصاصيا تمتص وتستجيب وتخضع، لا تكن اسفنجة تمتلئ بمياه فائضة، كن مشغولا بنفسك وهمومك الوطنية مبتعدا عن التصفيق والتسحيج والخداع، لأننا نقبل أن نكون عراة مثل ” فاطمة” في قصة ( حياة متعة)،ولكنها جلدت جلادها.
والمسألة الثانية نصوص المهمشين تثير جدلية النص والهامش من العنوان ” المهمشون” من الهامش والهوامش في عالم النصوصية اليوم أكثر أهمية وحيزها الدلالي أوسع رحبا في تأكيد المعنى والرسالة،” على الرغم من استعلائية المتن على الهامش فإنه يبقى أسيراً له، فالمتن النصي المتصدر بحروف واضحة، تاركا الذيل لهامش يذل بالتصغير والتأخير، يحتاج هذا الهامش ليكمل مقولة أو ليعطيها مصداقية مرجع أو شاهد..” والهوامش هي انتصار للفكرة والرسالة، انتصار للمهمشين فقد يحقق لهم النص وود بعد سحقهم واغتصاب حقوقهم.
في المسألة النقدية الثالثة أنها قصص درامية تُمسّرح الحياة، فالقارئ المتفحص الناقد لهذه السلسلة القصصية يجدها ترتبط بخيط واحد متسلسل يشدها خيط فكري واحد الهامش وقضايا المهمشين، تفتح المجموعة النصية القصصية بقصة ” الفريضة المؤجلة” وتتوسطها واسطة العقد قصة” الزنديق” ليعلن الثورة باسم الشعب على المقهورين، وتنتهي المجموعة القصصية بقصة “المسلخ” انتصارا للمهمشين وتقود بكل زنديق وإمام متجبر وإمام مزيف يحكم باسم الله والدين إلى حتفه ومسلخه.
من هنا تعد هذه القصص مسرحة للحياة والواقع يمكن أن تحول إلى مسرح درامي يجمع بين المأساة والملهاة تجعلك أيها القارئ تضحك وتبكي في آن.
د. زياد بني شمسه
أستاذ الأدب والنقد جامعة بيت لحم
عضو جمعية النقاد الفلسطينيين