الموقع الالكتروني: http://shorturl.at/uvyzW
من: الجزيرة
مثلما أهيئ بيئة تنمو فيها هذه النباتات، فإنني أعمل على تهيئة بيئة ملائمة لنمو وازدهار ونجاح البشر”. هذا ما يقوله بفخر الدكتور مازن قمصية، وهو عالم وراثة وكاتب ومدافع عن حقوق الإنسان، وهو يجلس في حديقة المتحف الفلسطيني الأول والوحيد للتاريخ الطبيعي الذي تتمثل رؤيته في مجتمع مستدام تسوده حالة من الانسجام بين البشر والطبيعة.
وفي تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، ذكرت الكاتبة ميجان جيوفانيتي أن قمصية، وهو حاليا أستاذ بجامعتي بيت لحم وبيرزيت وسبق له أن درّس بجامعات تينيسي وديوك وييل في الولايات المتحدة التي عاش فيها لمدة 24 سنة، يعتقد أن دراسة التنوع الطبيعي في فلسطين ترتبط ارتباطا وثيقا بالآثار البيئية المنجرة عن الاحتلال الإسرائيلي.
الانسجام بين البشر والطبيعة
منذ خمس سنوات، أسّس الدكتور قمصية وزوجته متحف فلسطين للتاريخ الطبيعي من مدخراتهما الخاصة. كما أنشأ الزوجان مركزا للأبحاث “المعهد الفلسطيني للتنوع الحيوي والاستدامة”. وفي الوقت الراهن، تحوّل المعهد والمتحف إلى منتجين رئيسيين للبحث العلمي حول التنوع البيولوجي في فلسطين.
وترتكز رؤية المتحف على إرساء مجتمع مستدام يسوده الانسجام بين البشر والطبيعة، تتحقق من خلال البحث والتعليم والحفاظ على الطبيعة. ويعد المتحف أكثر من مجرد معهد أبحاث أو صالة عرض مليئة بالحجارة المثيرة للاهتمام والحيوانات المحنطة. ويقول عالم الأحياء بهذا المتحف محمد أبو سرحان (23 عاما) “البيئة الموجودة في المتحف غير موجودة في أي مكان آخر في فلسطين”.
وأضاف أبو سرحان “سيغير هذا الأمر الطريقة التي تفكر بها والتي تتعامل بها مع البيئة المحيطة بك، ولن يكون ذلك مع البيئة الطبيعية فقط وإنما مع البيئة المجتمعية والسياسية أيضًا”. وغالبا ما يترك قمصية، مؤلف كتاب “المقاومة الشعبية في فلسطين: تاريخ من الأمل والتمكين” والعديد من الكتب حول الحياة البرية في الأراضي المحتلة، انطباعا جيدا لدى زواره.
الكفاح من أجل العدالة البيئية
ويرتاد أطفال المدارس المحلية المتحف بهدف التثقيف حول مشكلة تغير المناخ العالمية، واكتساب معارف تمكنهم من إحداث تغييرات في مجتمعهم المحلي. كما يُقبِل المسافرون الدوليون لمعرفة المزيد عن الوضع السياسي في فلسطين، مغادرين البلاد بمعرفة جديدة حول الكفاح من أجل العدالة البيئية.
ويوضح قمصية “يأتي الناس إلى هنا ويغادرون في كامل حماسهم وحيويتهم. وفي الحقيقة هذا ما نبحث عنه، فسح المجال للطاقة الإيجابية المعدية”.
توعية الأفراد والحفاظ على البيئة
يتمثّل الهدف الرئيسي للمتحف والمعهد في إجراء البحوث، وتوعية الأفراد، والحفاظ على البيئة الطبيعية. ولكن من غير الممكن تجاهل الآثار المترتبة عن الاحتلال العسكري الإسرائيلي. حيال هذا الشأن، أفاد المهندس ماجد دغلس بأن “المتحف يقع في منتصف الاحتلال في بيت لحم. وبالتالي، لا يمكن أن يكون مجرد مشروع حول حماية البيئة نظرا لأن البيئة تتعرض للهجوم من قبل الإسرائيليين”.
“إدراج الأنواع الغازية، وتحديدا في أشجار الصنوبر” من الأمثلة التي قدمها أبو سرحان لشرح تأثير بداية المشروع الاستعماري على البيئة بشكل كبير، حيث جاء الأوروبيون و”زرعوا أشجار الصنوبر على الأراضي الفلسطينية المتضررة، مما انجر عنه آثار كارثية”.
وأضاف أبو سرحان مشيرا من النافذة إلى أكبر المستوطنات في الضفة الغربية “يوجد مثال رئيسي آخر وهو مستوطنة هارحوما، لقد كانت غابة قبل 20 سنة، وكما ترون الآن لقد أصبحت منطقة مكتظة بالسكان”.
إعادة الاتصال بالأرض
وتسببت البنية التحتية للمستوطنات بشكل كبير في تغيير المشهد الطبيعي لفلسطين، إذ تقوم المستوطنات الصناعية بتفريغ نفاياتها السامة، ويعاني كل من سكان فلسطين الأصليين والبيئة من هذه الأنشطة الاستعمارية.
وأشار قمصية إلى أن “المستعمرين يريدون الاستيلاء على الأرض ويرغبون في خلق واقع جديد خال من السكان الأصليين”. ويعتبر الاستيلاء المنهجي على الأراضي ونظام التصاريح المفروض إلى جانب “عزل” الفلسطينيين في جيوب حضرية صغيرة تعرف بالمنطقة “أ”، مجرد آليات قليلة تستخدمها إسرائيل بهدف فصل الفلسطينيين ماديًا عن الأرض. ولكن هذه السياسات لا تفصل الفلسطينيين عن أرضهم فحسب، بل عن ثقافتهم وتاريخهم أيضا.
ومن جهته، عبّر دغلس عن أهمية تسليط الضوء على علاقة الفلسطينيين بالحياة الزراعية قبل الاستعمار، موضحا أنها “كانت طريقتنا للتواصل مع العالم، وقد فصلونا عنها. نحتاج أن نبيّن للعالم أننا عشنا حياة طبيعية قبل الاحتلال، نحن لسنا مجرد مجموعة من الأفراد الخاضعين للاحتلال”.
الوجود يعني المقاومة
وأكد قمصية “تتمثل مهمتنا هنا في تحقيق التحرر الفكري، أي التحرر من الاستعمار الفكري. وينصّ شعار المتحف على الاحترام: احترام نفسك، واحترام الآخرين واحترام البيئة. سأعجز عن إبداء الاحترام للطبيعة أو الأشخاص الآخرين إذا لم أحترم نفسي، أي إذا لم أتحل بالتمكين”.
الجو الذي ابتكره قمصية داخل المتحف بمثابة وسيلة للتمكين الذاتي بالنسبة للفلسطينيين والمواطنين من جميع أنحاء العالم. ويصرّ على أنه “بصرف النظر عن الظروف القاسية، فأنت قادر على تحقيق الكثير حين يكون عقلك حرا”.
ويعمل المتحف على بعث مشروع حديقة مجتمعية، اقتطعت 25 قطعة أرض صغيرة خارج حديقة المتحف مخصصة لنحو 25 عائلة في مخيمات اللاجئين في بيت لحم. وتهدف الحديقة المجتمعية إلى إرشاد الجيل الفلسطيني مجددا نحو جذوره، ودفعه نحو العمل الجماعي مع الحفاظ على التناغم بين البشر والطبيعة، وتعزيز أسلوب حياة صحي ومستدام.
المصدر : ميدل إيست آي