يسعدنا في هذا العدد الجديد من تقرير الهيئة التدريسية تحت الأضواء للسنة الأكاديمية 2017-2018، أن نقدم لكم السيرة العلمية والعملية للإعلامي الفلسطيني الشهير الدكتور سعيد عياد، الاستاذ المساعد في الصحافة ورئيس دائرة اللغة العربية في جامعة بيت لحم والمدير السابق لهيئة إذاعة وتلفزيون فلسطين.
ولد د. سعيد في بيت لحم لعائلة مكافحة مثقفة، زرعت فيه قيم العصامية واستقلال الرأي والتحرر. وكان د.سعيد خلال دراسته من الابتدائية حتى الثانوية يمضي جزءاً وفيراً من وقته في العمل ولاسيما في الإجازات الصيفية لمساعدة عائلته في توفير متطلبات التعليم ونفقاته، وتطبيقاً لحكمة والده “إذا بدأت حياتك متّكلا، فستنتهي بك الحياة هكذا”.
كان د. سعيد متفوقاً في دراسته منذ المراحل الدراسية المبكرة، وكان شغوفًاًبالقراءة والكتابة والتمثيل، وكانت له ميول اعلامية منذ صغره. ويذكر د. سعيد أنه حين كان في الصف السادس الابتدائي انشغل مرة في أحد دروس الرياضيات بكتابة مقال حول مظاهرة جرت في بيت لحم، فانتبه إليه المدرس، ورغم انزعاجه، قال له بعد أن قرأ المقال “” أنت ستكون إعلاميا لامعًا”.
في مرحلة الدراسة الثانوية، كانت للدكتور سعيد محاولات جادة في كتابة القصة القصيرة ، وكان يقدم ما يكتب لأستاذه في اللغة العربية الذي لم يتردد لحظة في تشجيعه. وقد ساعدته تلك الخبرة على تنمية احساسه النقدي نحو الظواهر الاجتماعية والافكار المتداولة، فكان دائما يطرح السؤال “”ما الشيء غير المعلوم هنا ؟”” وهو مقتنع تمام الاقتناع بأن هناك ثمة رأي آخر غير رأيه.
أتمَ د. سعيد دراسته في مدرسة الدهيشة ومدرسة اسكندر الخوري في بيت جالا ومدرسة بيت لحم الثانوية في مرحلة المد القومي العربي، وقد وجد نفسه في ذلك الحين في وسط طلابي متنوع دينيا وثقافيا وسياسيا، مما عزز قناعته بالتعددية وأثر في نضوجه الفكري والسياسي ودفعه للانتماء السياسي المبكر لمنظمة التحرير، إلا أنه منذ الصغر كان يمقت الحزبية فكانت شعاراته وحدوية. يذكر د. سعيد أن كثيرا من الطلبة كانوا يطلبون منه كتابة شعارات في هذا السياق. وأحيانا كان يُدفع به ليكون خطيب حفل أو مهرجان ” لاعتبارات ذات صلة بميولي الإعلامية والكتابية”. وهكذا تطور الإعلام النقدي في داخله.
حصل د. سعيد دراسة الماجستير في مجال الادارة التربوية في جامعة القدس وانشغل حينها بقراءة الفلسفة والفكر النقدي بما يعزز لديه الانتماء السياسي والفكري. وأكمل د. سعيد دراسة الدكتوراه في علم النفس التربوي في جامعة محمد الخامس في المغرب سنة 2008، حيث تأثر بالفلسفة المغربية في فضائها النقدي والتعددية والحرية الفكرية التي تتمتع بها المغرب. كتب د. سعيد أطروحته عن “” دور البرامج التلفزيونية في تنمية قدرات التفكير الإبداعي لدى الأطفال””، واشتغل فيها مع أطفال ما قبل المدرسة لإيمانه بضرورة إنشاء جيل فلسطيني متحرر من اليقينية والثوابت والمسلمات البشرية، ولأن للإعلام دورا مهما في صناعة الوعي النقدي والمبدع ورؤية الأشياء غير المعلومة والمرئية.
انضم د. سعيد إلى جامعة بيت لحم عام 2004 مدرسا غير متفرغ في مجال الصحافة إلى جانب عمله الرسمي في حقل الإعلام الرسمي، إلا أنه تخلّى عن عمله الرسمي في الحكومة عام 2012، وتفرغ للتعليم في الجامعة، حيث وفرت جامعة بيت لحم له فضاءً رحباً للكتابة، ولتخريج جيل جديد من الصحفيين النقديينفي فلسطين.
ويقول د. سعيد أنه ولج فضاء الصحافة “” محترفا “” منذ عام 1978 فكان يكتب المقال السياسي في صحف محلية كثيرة. وقد عمل صحفيا في مؤسسات فلسطينية ودولية منها رويترز لعشر سنوات، وأسس تلفزيون بيت لحم المحلي، وأسس جريدة الأخبار، ثم عمل في هيئة إذاعة وتلفزيون فلسطين مديرا، ثم مديرا عاما للأخبار ثم مديرا عاما للبرامج ثم مستشارا عاما لرئيس الهيئة. قدم د. سعيد مئات الحلقات التلفزيونية عبر تلفزيون فلسطين كان لها صدى سياسياً وثقافياً مهماً، من بينها برنامج الحقيبة الدبلوماسية وبرنامج ملف اليوم وغيرها، واعتبر أحد أهم المحاورين في البرامج السياسية التلفزيونية.
وكان د. سعيد أحد مؤسسي نقابة الصحافيين الفلسطينيين ثم انتخب عضوا في مجلسها الإداري مرات عديدة وشغل مهام أمين السر. كذلك فقد كان أحد مؤسسي اتحاد الكتاب الفلسطينيين، ونادي القلم الثقافي والمنتدى الثقافي الإبداعي، كما وانتخب رئيسا للجنة تحكيم الأخبار التلفزيونية في اتحاد الإذاعات والتلفزة العربية التابع لجامعة الدول العربية عام 2012. وتلقى عشرات جوائز التقدير من مؤسسات عربية وفلسطينية ، وشارك في دورات إعلامية في عدد من الدول الأوروبية وأمريكا.
ويؤكد د. سعيد أن البحث العلمي أساس ضروري في دراسة الإعلام والصحافة ولذلك فهو يكرس جل وقته وجهده في البحث في هذا المجال. وقد قام د. سعيد بنشر ثلاثة كتب: “صراع العقل السياسي الفلسطيني،” “دور التلفزيون في التفكير الابداعي،” و”أصول الإعلام الاذاعي،” وله رواية قيد الطبع بعنوان “ظل الإله”. كما وأنجز د. سعيد 32 بحثاً تطبيقياً في مجال الإعلام، قدمها جميعا في مؤتمرات فلسطينية وعربية لإيمانه أن التغيير يجب أن يسبقه دراسة معمقة للواقع.
ودعما لثقافة التمايز في البحث العلمي، قدم د. سعيد وحصل على منحة بحث داخلية لإنجاز مشروع حول المصطلحات الإعلامية والسياسية في الخطابين الفلسطيني والإسرائيلي، كخطوة أولى لإنجاز مشروعه المستقبلي “معجم المصطلحات الإعلامية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”. ويعمل د. سعيد محررا مشاركا في هيئة تحرير مجلة جامعة بيت لحم للمساهمة في نشر ثقافة بحثية رصينة ومتينة فب الجامعة والعالم العربي.
ويسعى د. سعيد إلى أن تكون الأبحاث التي يقوم بها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمنهجية التدريس التي يتبعها في مساقاته. وقد بنيت هذه المنهجية على أساس قواعد نقدية يدرسها لطلبته، يمكن تلخيصها فيما يلي:” لا مسلمات لا ثوابت لا يقينيات بشرية، لا للمنقول دون مناقشته، لا تجعلوا الماضي يفكر عنكم، اعملوا عقلكم في كل ما تقفون عليه، وعلى قاعدة لنحاكم الفكرة وليس صاحب الفكرة، وأيضا لنؤمن أن هناك دائما منظور ورأي اخر.”
ولتعزيز الروح الابداعية عند الطلبة، يشجع د. سعيد طلبته على إنتاج الأفلام الوثائقية التي تبحث عن الجانب الخفي في الأشياء وعلى نشر ما يكتبون على موقع المهد 24 الخاص بالجامعة / قسم الإعلام، أو من خلال الندوات التي تنظمها دائرة اللغة العربية للطلبة. كما ونظم د. سعيد مع زملائه في دائرة اللغة العربية مؤتمرات إعلامية وأدبية وندوات ثقافية وفكرية واجتماعية تتمركز حول التعددية واحترام الآخر. ويذكر أن الدائرة أصدرت في العام المنصرم بالتعاون مع معهد الشراكة المجتمعية كتاباً يتضمن عددا من كتابات طلبة دائرة اللغة العربية.
بالرغم من معوقات البحث العلمي، وأهمها عدم توفر التمويل أو ندرته وصعوبة النشر في مجلات علمية ذات معامل عال، فإن د. سعيد يعتقد أن تجذير الارتباط بين الجامعة والمجتمع المحلي له أبعاد مهمة على تطوير هذه الأبحاث.
يتمنى د. سعيد أن يترك بصمة واضحة على مجتمع الجامعة من خلال تطوير قسم الإعلام ليصبح دائرة أكاديمية مستقلة، وتطوير مسار تخصص اللغة العربية ليواكب التغير الحداثي على مستوى اللغة والأدب، حيث تكون لدينا دائرة مختلفة من حيث منهجها وبرامجها وتخصصاتها، ويؤكد إن مشاريع كبيرة كهذه تطّلب رؤية جماعية يشاركه فيها زملاؤه كافة في الدائرة، فالفكرة جماعية والجهد جماعي. لذا فقد شرعت الدائرة للمرة الأولى بتوطين المعرفة من خلال إنتاج مقررات دراسية من تأليف الأساتذة. كما ويأمل د. سعيد بتحقيق حلم قديم لديه وهو إنشاء متحف ثقافي لمدينة بيت لحم ينطلق من جامعة بيت لحم، لحفظ الذاكرة البيت-تلحمية الأدبية والثقافية والفنية والإعلامية.