ولدت السيدة أمل أبو نجمة – فاخوري، المحاضرة في كلية التمريض والعلوم الصحية في جامعة بيت لحم، في مدينة بيت لحم حيث أتمت دراستها الثانوية في مدرسة بيت لحم للبنات. وكانت عائلتها تأمل بأن تصبح مدرسة بينما كانت هي تطمح دائماً أن تتخصص في أحد الحقول المتعلقة بعلم الأحياء أو مهن الرعاية الصحية.
وحين تعود بذاكرتها إلى سني المراهقة، تذكر أمل كيف كانت، وهي كبرى إخوتها، تساعد والدها – رحمه الله- في مطعمه؛ وكانت مهمتها في ذلك الوقت تنظيف أحشاء للخراف؛ ولأن أمل كانت شغوفة بعلم الأحياء، فقد شكلت هذه الخبرة فرصة جيدة لها لتتفحص هذه الأعضاء عن قرب. وبعد التخرج في المدرسة، أرادت أمل أن تدرس علم الأحياء في الأردن، فقد كانت تود أن تصبح فنية مختبر، إلا أن والديها قررا أن تلتحق بكلية التمريض في جامعة بيت لحم لقربها المكاني.
وحين أصبحت طالبة في جامعة بيت لحم، أستطاعت أمل أن تتأقلم بسرعة مع المعايير الأكاديمية المرتفعة لكلية التمريض واستطاعت أن تتميز كطالبة مجتهدة وطموحة؛ فقد كانت عازمة على أن تتلقى كل ما تستطيع أن تحصل عليه من التدريب الذي قد يساعدها في أن تصبح ممرضة ذات تأهيل وخبرة متقدمين.
وتذكر السيدة أمل بكل فخر وامتنان إحدى مدرساتها في كلية التمريض، وهي السيدة ستانا السقا، التي شجعتها ودعمتها خلال سنوات دراستها في الجامعة، ولعبت دوراً كبيراً في الاختيار النهائي الذي اتخذته أمل حول حياتها المهنية. كانت السيدة ستانا تطلب من أمل دائماً مساعدتها في الإشراف على الطلبة وتعليمهم خلال التدريب السريري في وحدة الأطفال وحديثي الولادة. وقد كان لهذه المدرسة الفضل الأكبر فيما بعد في حصول السيدة أمل على وظيفة مدرس في جامعة بيت لحم.
بعد تخرجها في جامعة بيت لحم عام 1986، حصلت السيدة أمل على وظيفة ممرضة في قسم الأطفال في مستشفى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في القدس. وفي وقت قصير نسبياً، أصبحت ممرضة من المستوى الأول في وحدة العناية المكثفة لحديثي الولادة التي أنشئت في مستشفى المقاصد في ذلك العام. وتفتخر السيدة أمل بأنها كانت عضواً في الفريق المؤسس للوحدة الأولى للعناية المكثفة لحديثي الولادة في فلسطين.
خلال عملها في مستشفى المقاصد، واصلت السيدة أمل العمل على تطوير نفسها مهنياً باكتساب المعرفة والمهارات التي من شأنها أن تساعدها على تحسين الرعاية التي كانت تقدمها للمرضى. فقد التحقت بالعديد من الدورات التي كانت مستشفى المقاصد تقدمها، بما في ذلك إدارة وتنظيم أقسام التمريض ودورات عن الرعاية التمريضية المكثفة لحديثي الولادة. في عام 1992 شجعتها مشرفتها في المستشفى على الحصول على دبلوم في الإشراف السريري (DCS)، الذي كان مطروحاً في جامعة بيت لحم.
في تلك السنة، تدهور الوضع السياسي في فلسطين واضطرت السيدة أمل إلى التفكير في ابنتيها الصغيرتين. لذلك عندما عُرض عليها التقدم لوظيفة مدرس في كلية التمريض والعلوم الصحية في جامعة بيت لحم، لم تتوانى لحظة في ذلك وسرعان ما بدأت عملها كمدرسة في الجامعة. ورغم أنها كانت تدرس عبئاً أكاديمياً كاملاً كالمعتاد، إلا أنها لم تأل جهداً في الحصول على المزيد من التدريب في مجالها العملي؛ فقد التحقت بالعديد من برامج الدبلوم المهنية والدورات المتعلقة بمنهجيات التعليم والتعلم، ومجال تمريض حديثي الولادة، وبناء القدرات، وإدارة التمريض.
في عام 1996، شجعت السيدة ديان إبراهيم، التي كانت تشغل منصب عميدة كلية التمريض في ذلك الوقت، أمل على متابعة الدراسات العليا في التمريض. فالتحقت أمل ببرنامج الماجستير في تمريض صحة الأم والطفل في جامعة القدس. تقول السيدة أمل عن تلك الخبرة: شكلت الدراسات العليا تحدياً كبيراً لي، لكنها كانت ممتعة للغاية. خلال تلك السنوات، كان على أمل أن تتحمل أعباءالدراسة، وكان عليها أيضاً أن تقوم بواجباتها الكاملة كمدرسة؛ أضف إلى كل ذلك أعباءها كزوجة وأم لثلاث بنات وربة بيت وقد كانت حاملاً في ذلك الوقت أيضا. ورغم كل العقبات التي واجهتها في السعي لتحقيق أهدافها، فقد كانت مصممة على أداء جميع واجباتها على أفضل وجه لتكون مثالاً يحتذى به طلبتها وبناتها.
ورغم أن بعض الأصدقاء نصحها أن لا تختار مسار الأطروحة في برنامج الماجستير، إلا أنها قررت ألمضي في ذلك المسارمن أجل اكتساب الخبرة في مجال البحث. ومما زادها تصميماً على متابعة مسار الأطروحة أنها أدركت أن الأبحاث الصادرة من فلسطين في هذا المجال نادرة جداً. وسرعان ما اكتشفت أهمية إجراء البحوث على الصعيدين الشخصي والمهني.
وتقول السيدة أمل إن عملية البحث أمر يتطلب الكثيرمن الجهد والوقت، لكنها في الوقت ذاته تشكل خبرة مجزية للغاية. وترى أن المثير في عملية البحث هو طبيعتها الذاتية التولد وإمكانية الاستمرار القائمة دائماً، وبخاصة الطريقة التي يمكن بها للباحثين ربط المشاريع التي يقومون بها بمشاريع مستقبلية أخرى لم تكن لديهم حتى فرصة للتفكير فيها من قبل. تقول السيدة أمل: “أشعر أنها عملية لا نهاية لها، فبمجرد الانتهاء من مشروع بحث، تجد نفسك تفكر في المشروع التالي”.
عندما شغلت السيدة أمل منصب عميدة كلية التمريض والعلوم الصحية ومنسقة الدبلوم العالي في برنامج التمريض لحديثي الولادة في جامعة بيت لحم، حرصت على التأكيد على أهمية البحث للعاملين في مجال الصحة الفلسطينيين ومقدمي الرعاية والطلبة. وترى السيدة أمل أن البحوث التي ينتجها الباحثون الفلسطينيون في مجال التمريض والعلوم الصحية على وجه الخصوص يمكن أن تكون لها آثار عظيمةعلى نوعية حياة الناس، وعلى مسائل الحياة والموت في أحيان كثيرة. وتؤكد أن من المهم دراسة المشكلات المتعلقة بالصحة دراسةعلمية صحيحة وتقديم التوصيات والحلول التي يمكن أن تحسن نوعية حياة أهل فلسطين. وهذا ما تراه السيدة أمل هو صميم رسالة جامعة بيت لحم .
وهذه هي الرسالة التي تحاول السيدة أمل أن تطرحها من خلال عضويتها في مجلس البحث العلمي في الجامعة. وتعتقد أن وجود عدد صغير من الباحثين الفلسطينيين العاملين ينبغي أن يتيح لأعضاء مجتمعات البحث الفلسطينية كافة التدريب والمهارات المناسبة ليصبحوا باحثين بارزين يمکنهم أن يخدموا مجتمعاتهم بفعالية أكبر. وتبين السيدة أمل أيضا أن جامعة بيت لحم بذلت خلال السنوات القليلة الماضية جهودا خاصة لدعم ثقافة التميز في البحث. وأكدت أن هناك فرصاً كثيرة ومتعددة أمام أعضاء هيئة تدريس وموظفي الجامعة للانخراط في النشاط البحثي وتطويره، بما في ذلك منح البحوث الداخلية، وورشات عمل لتطوير مهارات البحث، وندوات ولقاءات. وتبين السيدة أمل أن جعل النشاط البحثي والنشر أحد الشروط الأساسية للترقية الأكاديمية سيكون له أثر إيجابي على تطوير البحث في جامعة بيت لحم.
على الصعيد الشخصي، تعتقد السيدة أمل أيضا أن تطوير نشاطها البحثي بالتعاون مع زملائها في كلية التمريض والعلوم الصحية قد وفر لها حافزاً هاماً لاستثمار المزيد من الوقت والجهد في البحث. وبما أن عبء التدريس لأعضاء هيئة التدريس يبقي لهم عادة الوقت القليل للبحث، فإن البحوث التعاونية كما ترى السيدة أمل تساعد أعضاء هيئة التدريس على استثمار ما بقى من أوقاتهم بالانخراظ في البحث. إن السيدة أمل وزملاءها على قناعة تامة بمزايا البحث التعاوني لذا فإنه لا مانع لديهم في الاجتماع خلال عطلة نهاية الأسبوع من أجل العمل على أبحاثهم.
وقدعملت السيدة أمل مع زملائها على ربط البحث بعملية التعليم والتعلم وخاصة فيما يتعلق بتطوير مهارات طلبة كلية التمريض وتحسين نوعية تعلمهم في غرف الدراسة أو أماكن التدريب السريري. وقد حصلت السيدة أمل وزملاؤهاعلى إحدى منح جامعة بيت لحم الداخلية لدراسة تأثير تقييم الأقران في العمل الجماعي بين طلبة التمريض في جامعة بيت لحم. وفي بحث آخر، درست المجموعة فعالية أساليب التدريس المختلفة على التعلم الذاتي، والتفكير النقدي والتحليلي للطلبة، واتخاذ القرارات وقدرات القيادة، والتحصيل الأكاديمي. وهي على ثقة بأنها هي وزملاءها سوف يكونون قادرين على استخدام هذا البحث لتطوير مشاريع بحثية أخرى في المستقبل.
وقد كان لمشاركة السيدة أمل في مثل هذه المشاريع البحثية أثر ملموس على ممارساتها كمدرسة وعلى فلسفة التدريس لديها. فقد قامت بتعديل استراتيجياتها التعليمية وتكييفها في ضوء نتائج ما قامت به من أبحاث وما حصات عليه من ردود فعل طلبتها. على سبيل المثال، بدأت السيدة أمل تطلب من طلبتها إجراء المزيد من تحليل الحالات، ورسم الخرائط المفاهيمية، وتقديم العروض الشفهية، ولعب الأدوار، إضافة إلى أنشطة أخرى تعتمد على العمل الجماعي؛ كما أصبحت تطلب منهم القيام بالمزيد من التقييم الذاتي، وتقييم الأقران، واستخلاص المعلومات والتأمل مما قد يساعدهم في المستقبل لأداء دورهم كممرضات مبتدئات أومتقدمات.
وتأمل السيدة أمل أن تنتقل عدوى إيمانها بقيمة العمل التعاوني لتطوير عملية البحث في جامعة بيت لحم وفي فلسطين إلى الكثيرين من زملائها وأقرانها. وتعتقد أنه رغم العقبات العديدة التي تواجه مجتمعات البحث في فلسطين في إجراء البحوث ونشر نتائجها على المستويات الاجتماعية والمؤسسية والسياسية، فإننا مدينون لأجيالنا المستقبلية باستثمار المزيد من الاهتمام والجهد والوقت والمال في البحث لإيجاد حلول عملية للمشاكل الدائمة التي تواجه مجتمعنا.
إعداد: أ.د. جميل خضر
ترجمة: د. حازم النجار
21 نيسان 2017